تابعنا
في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن قوات الاحتلال تعتزم نصب 40 ألف خيمة قرب مدينة رفح تمهيداً للاجتياح العسكري البريّ.

وسط حديثٍ عن وقف إطلاق نار مرتقب في قطاع غزة وهدنة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل تشمل إطلاق رهائن، لا يزال الحديث الإسرائيلي عن الاجتياح البري لمدينة رفح، جنوب القطاع، قائماً رغم التحذيرات الأمريكية والأممية.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشن غزو بري لرفح بغضّ النظر عن اتفاق وقف إطلاق النار، في أثناء لقائه ممثلي عائلات الرهائن في القدس يوم الثلاثاء 30 أبريل/نيسان الماضي، مؤكداً أن قواته ستشن عملية عسكرية بغضّ النظر عمّا إذا جرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار أم لا.

خطر على 1.4 مليون شخص

تزيد هذه التهديدات بالاجتياح البري لرفح من مخاوف ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي مجازر جديدة في المنطقة المكتظة بالسكان والنازحين.

وأرسل ائتلاف يضم نحو 50 منظمة إنسانية، رسالة إلى البيت الأبيض يُدين فيها الاجتياح المحتمَل لرفح، قائلاً إنه على الرغم من الادعاءات الإسرائيلية، "لا توجد خطة إنسانية ذات مصداقية كهذه قابلة للتنفيذ".

وأعربت المنظمات، التي منها "فوز بلا حرب"، ومنظمة "أوكسفام أمريكا"، ومركز الديمقراطية في الشرق الأوسط، عن مخاوفها بشأن الخطر المحتمل على 1.4 مليون فلسطيني يحتمون بالمدينة الجنوبية إذا قررت إسرائيل الاجتياح.

وكتبت الجماعات في الرسالة الموجَّهة إلى الرئيس جو بايدن: "نخشى أن يؤدي الهجوم على رفح إلى تصاعد العنف في جميع أنحاء المنطقة وإخراج المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين عن مسارها"، مؤكدين أنه إذا اقتُحمت رفح، فإن مركز توزيع المساعدات الرئيسي في المنطقة سوف ينهار.

بدوره أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن بلاده لن تدعم هجوماً واسع النطاق على رفح ما لم يكن لدى إسرائيل خطة لحماية المدنيين، إلّا أن تصريحات نتنياهو تشير إلى أن أي حملات ضغط لتجنب الاجتياح لا تبدو ناجحة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في 30 أبريل/نيسان، إن الولايات المتحدة لم ترّ حتى الآن مؤشراً على وجود خطة لضمان سلامة سكان رفح، على الرغم من أن إسرائيل قالت إنها تخطط لنقل الفلسطينيين إلى "جزر إنسانية" في مكان آخر وسط غزة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أيضاً إن الاجتياح "سيكون غير مقبول على الإطلاق". كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن العملية ستكون "تصعيداً لا يطاق".

وفي منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن قوات الاحتلال تعتزم نصب 40 ألف خيمة قرب مدينة رفح تمهيداً للاجتياح العسكري البريّ.

وأفادت قناة "كان" الإسرائيلية بأن وثيقة رسمية حصلت عليها تشير إلى أن "إسرائيل ستنصب 10 آلاف خيمة خارج رفح خلال الأسبوعين المقبلين"، مضيفةً أن "هناك 30 ألف خيمة إضافية أخرى قيد الشراء حالياً، وستُنصب في المنطقة لاحقاً".

وتلت هذه الأخبار بيومين تقارير ذكرت أن الاحتلال نشر مزيداً من المدفعيات وناقلات الجنود المدرعة في محيط قطاع غزة، مما يشير إلى الاستعدادات للهجوم البري.

وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية اليومية أن قوات وُضعت في حالة تأهب، وأن "المبدأ الحاكم للعملية" وافقت عليه هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورفض جيش الاحتلال الإسرائيلي التعليق على التقارير.

وإلى الآن لا يوجد موعد محتمَل للعملية البرية المرتقبة في رفح. وفي زيارته الأخيرة للعاصمة الأردنية، سُئل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بشأن توعّد نتنياهو بالمضيّ قدماً في الهجوم، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أن تركيز واشنطن منصبٌّ على التوصل إلى اتفاق هدنة بوساطة مصرية-قطرية، منوهاً بموقف إسرائيل المساوم في المفاوضات.

ماذا يقول الفلسطينيون؟

عبد الله أبو حجر (31 عاماً) من سكان شمال مدينة غزة ونزح في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى حي الشيخ رضوان ثم إلى خان يونس ثم إلى رفح، يقول: "عانينا كثيراً من النزوح المتكرر من مكان إلى آخر، حالياً متخوفون من أي عملية اجتياح بري لأنه سيتسبب بأذية كبيرة لنا.. لم نعدّ نستطيع تحمل أي شيء وطاقتنا استُنزفت بالكامل، وليست لدينا الطاقة للتحرك ولو لمتر واحد".

وفي حديثه مع TRT عربي، يشكو الشاب الفلسطيني أيضاً ظروف النزوح السيئة، إذ يعيش في خيمة، واصفاً الحياة بأنها عيشة "ذل وبهدلة" بسبب قلة الاحتياجات الأساسية والمواد الغذائية وغلاء أسعار.

ويضيف أبو جحر أن أي عملية اجتياح لمدينة رفح ستخلق مجزرة كبيرة، وقد يموت الكثير من السكان خلال محاولة النزوح.

أما محمد يوسف أحمد، النازح من غزة ويعيش الآن في مدينة رفح، فيستنكر عدم وجود أي مكان آمن في قطاع غزة الآن، وسط تصاعد تهديدات الاحتلال بالاجتياح البري في المكان المكتظ.

ويضيف أحمد لـTRT عربي: "لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة خصوصاً مع الحديث عن اجتياح رفح البري، لا نعلم أين نذهب، والجميع خائف، ولا يوجد أي ملاذ آمن، والآن نفكر بالذهاب إلى المنطقة الوسطى أو منطقة المواصي، ونأمل أن تكون هناك هدنة قادمة".

ويروى النازح حمزة شعلان رحلة نزوحه مع والده ووالدته من مشروع بيت لاهيا بسبب انهيار المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة، إذ يعاني والده فشلاً كلوياً ويحتاج إلى العلاج داخل المشفى ثلاثة أيام أسبوعياً.

ويقول شعلان لـTRT عربي: "ذهبنا إلى جنوب القطاع، وأرسلت والدي ووالدتي إلى بيت خالي في مدينة رفح، ثم ذهبت إلى خان يونس، بالتحديد إلى داخل مجمع ناصر الطبي وتابعت عملي صحفياً ومراسلاً في الميدان. ثم اضطررنا إلى النزوح إلى رفح بالتحديد مقابل المشفى الكويتي"، مؤكداً أن الأوضاع صعبة على الجميع، والمصير مجهول للجميع، إذ لا يعرف أحد ما الذي سيحصل.

ويُعرب شعلان عن خوفه من تفاقم أزمة النزوح وتأثيرها على عائلته، لا سيما والده الذي يعاني الفشل الكلوي ويحتاج إلى غسيل كلوي منتظم، مشيراً إلى صعوبة حصول والده على العلاج الكامل بسبب نقص الإمكانات في مستشفى أبو يوسف النجار، حيث يتلقى غسلة واحدة فقط بدلاً من ثلاث، مما يُشكل خطراً على حياته.

ويُعرب الشاب الفلسطيني عن قلقه من انهيار المنظومة الصحية في مدينة رفح، خصوصاً مع احتمالية اقتحام المستشفيات، مما قد يُؤدي إلى كارثة إنسانية لمن يعانون أمراضاً مزمنة.

بمرارة وألم، يروي أبو أحمد (63 عاماً) تجربة نزوحه من شرق خان يونس إلى مدينة رفح، بعد سبعة أشهر من النزوح القسري، وسط خوفه وقلقه من مستقبل مجهول، متسائلاً عن سبب اضطراره وعائلته للتنقل من مكان إلى آخر داخل وطنهم.

وفي حديثه مع TRT عربي، يؤكد أبو أحمد تمسكه بأرضه ووطنه، ويستنكر فكرة الاجتياح والنزوح المستمر قائلاً: "هذه أرضنا ووطننا.. لا أعلم لماذا علينا أن ننزح من مكان إلى آخر؟!".

ويشدد على أنْ لا ملجأ لهم سوى وطنهم، ولا بديل عن بيوتهم ومساكنهم الحقيقية، متسائلاً: "إلى أين نذهب؟ من نزوح إلى نزوح داخل مكان صغير اسمه قطاع غزة؟".

ويناشد أبو أحمد المجتمع الدولي الوقوف إلى جانبهم بوصفهم شعباً أعزل، ويطالب بحياة كريمة وآمنة في وطنهم، لافتاً بالقول: "نريد العيش بسلام وأمان واطمئنان".

تحذيرات من كارثة

من جهتها، حذرت القائمة بأعمال مدير مكتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة، إيناس حمدان، من الاجتياح البري لرفح وتوسيع العملية العسكرية في هذه البقعة التي لا تتجاوز مساحتها 60 كيلومتراً مربعاً، مؤكدة أنه سيكون كارثة محققة ويتوقَّع أن يتسبب بمزيد من القتلى وتدمير مزيد من البنى التحتية.

وتقول حمدان لـTRT عربي: "تستضيف مدينة رفح ما يقرب من مليون ونصف مليون نازح، لجؤوا إليها بحثاً عن الأمان والاستقرار، لكن مع تصاعد حدّة القصف والغارات الإسرائيلية، تحولت المدينة إلى ملاذ أخير لسكان غزة ولا أحد يعلم إلى أين يمكن أن يتوجه هؤلاء في حين حانت ساعة الصفر؟".

وتضيف القائمة بأعمال مدير مكتب "أونروا" في غزة أن الصورة ستزداد سواداً وكارثية، في حال اجتياح مدينة رفح، معربةً عن أسفها من أن المدنيين هم من سيدفعون الثمن.

وتعدّ مدينة رفح مركزاً حيوياً لعمليات الإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث تدير "أونروا" عملياتها من هناك، وتشمل هذه العمليات إدارة مركزين صحيين، ومراكز توزيع، ومخازن للمواد الغذائية وغير الغذائية والأدوية، بالإضافة إلى مستلزمات المأوى ومراكز الإيواء التي تؤوي أكثر من مليون نازح.

وتؤكد حمدان أن الاجتياح البري لمدينة رفح سيؤدي إلى عرقلة هذه العمليات الإغاثية بشكل كبير، ويجعل من الصعب جداً تقديم المساعدات بشكل آمن وفعال، وسيفاقم ذلك الوضع الإنساني المتردي أصلاً في قطاع غزة، ويهدد بانهيار منظومة الإغاثة بأكملها.

أسهم في إعداد التقرير مراسل قناة TRT عربي في غزة سامي برهوم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً