تابعنا
منذ اندلاع الاشتباكات في السودان في 15 أبريل/نيسان الماضي، ترددت الأصداء والمخاوف الأمنية في عواصم الدول المجاورة، إذ تُرجمت إلى بيانات ومبادرات مشتركة ساعية إلى وقف الاشتباكات والدفع نحو حل سياسي للأزمة.

منذ اندلاع الاشتباكات في السودان في 15 أبريل/نيسان الماضي، ترددت الأصداء والمخاوف الأمنية في عواصم الدول المجاورة، إذ تُرجمت إلى بيانات ومبادرات مشتركة ساعية إلى وقف الاشتباكات والدفع نحو حل سياسي للأزمة.

ورغم تعدد المهددات الأمنية التي قد يفرزها استمرار القتال في السودان لفترة طويلة، فإن الاحتمال المؤرق لعديدين يظل هو استغلال الجماعات الإرهابية لهشاشة الوضع في السودان والاستفادة من حالة الفراغ الأمني وتوسيع نشاطها.

مهددات أمنية

حوّلت الاشتباكات المستمرة السودان إلى بؤرة لمخاوف أمنية إقليمية مختلفة، وذلك نتيجة لتعرض البلاد "لأزمة غاية في الخطورة تضع أمنها واستقرارها على المحك، وتؤثر في دول جوارها"، وفقاً للدكتورة نرمين توفيق.

وتعزو الباحثة في الشؤون الإفريقية ذلك إلى أن "الاقتتال بين الجيش الوطني السوداني وميليشيا الدعم السريع يجعل السودان على شفا الحرب الأهلية، بالإضافة إلى موجة النزوح واللجوء التي نتجت عن الصراع الدائر".

ويذهب الدكتور تاج السرّ عبد الله محمد عمر إلى أن هناك مجموعة من التهديدات الأمنية التي يحملها استمرار المعارك في السودان، ومنها "تدخُّل الحركات المسلحة والجماعات المتربصة الأخرى في المعارك مما يتسبب في توسع دائرة المعارك وازدياد الخسائر البشرية والمادية وسط المواطنين، ما يزيد معاناتهم، ويدمر ما بقي من البنية التحتية المتهالكة أصلاً"، بالإضافة إلى "تراجع الإمكانات القتالية للقوات المسلحة وإرهاقها، مما يؤدي إلى عجزها عن القيام بدورها في الدفاع عن سيادة الدولة، وبالتالي قد تنهار الدولة كلياً"، حسب محمد عمر.

ويمضي الخبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية في تصريحه لـTRT عربي حول المهددات الأمنية المحتملة من قَبيل "تدخُّل جماعات مسلحة أخرى بأبعاد قبيلة أو إثنية وربما دينية في القتال، إما للدفاع عن مقدرات قبائلها وإما للاستحواذ على نصيب من السلطة أو للنهب والسلب، وقد يؤدي الصراع إلى انفصال بعض الأقاليم عن المركز، وتصاعد وتيرة السرقات وحركة تجارة المخدرات".

مخاوف من انتقال الحركات الإرهابية إلى السودان

حالة الاختلال الأمني التي نتجت عن الاشتباكات الدائرة في السودان والمخاوف من تطاول أمدها دفعت بعض الخبراء إلى الاعتقاد أن هذه الظروف تشكل "بيئة خصبة للإرهاب"، وهو ما يؤكده الدكتور تاج السر محمد عمر قائلاً إنه "بلا شك ستعمل الحركات الإرهابية على التمدد في السودان، إذ إنه سيصبح بيئة صالحة لحركتهم".

وفي تفسيره لهذا التأكيد يوضح محمد عمر المهتم بقضايا القرن الإفريقي وحوض النيل أن هناك عديداً من العوامل التي تدفع نحو ترجيح مثل هذا الاحتمال، وفي مقدمتها "غياب سلطة الدولة وعجز الأجهزة المختصة (وزارة الداخلية وأجهزة الأمن الأخرى) عن متابعة نشاط تلك الجماعات، إذ إن تلك الأجهزة ستكون منشغلة بالقتال للدفاع عن مقارّها وعن الدولة ككل".

ويضيف الدكتور محمد عمر أن من العوامل المغرية للجماعات العنيفة للتمدد نحو السودان أن "موقع البلاد الاستراتيجي يمكنها من الوصول إلى الدول التي تستهدفها بسهولة ويسر".

بجانب ما سبق فإنّ مساحة السودان الواسعة توفر عديداً من الميزات، وفقاً لمحمد عمر، "إذ إنها تمكن هذه الجماعات من المناورة والهروب والضرب في الوقت والمكان المناسبين، وتلقّي الإمداد بالأسلحة والذخائر والمتفجرات والأفراد وغيرها من ضروريات العمل الإرهابي"، فضلاً عن القدرة على "التدريب والتأهيل بعيداً عن مراقبة الدول والمنظمات المناهضة لها".

من جانبها تؤيد الدكتورة نرمين توفيق في تصريحها لـTRT عربي جدية المخاوف من انتقال الحركات الإرهابية إلى السودان، "خصوصاً أنه يقع في منطقة وسط بين شرق إفريقيا حيث تنتشر حركة الشباب المجاهدين الإرهابية التابعة للقاعدة في الصومال، وأيضاً بالقرب من تشاد ومنطقة الساحل التي تنتشر فيها حركات تابعة لداعش والقاعدة وغيرهما".

وتضيف الباحثة في الشؤون الإفريقية أن ما يجعل السودان عرضة لخطر الحركات الإرهابية أن الأخيرة "تستغلّ الغياب الأمني وانتشار الفوضى في الدول للانتشار بها، وهذا ما رأيناه في حالة ليبيا وسوريا وبعض دول غرب إفريقيا".

وفي ملمح إلى جانب آخر تبين الدكتورة نرمين أن "موقع السودان الاستراتيجي وموارده الهائلة يجعلانه مطمعاً للحركات الإرهابية كي تصنع موضع قدم فيه".

"لا بد من وجود حل سريع"

يذهب عديد من المؤشرات إلى أن الاشتباكات في السودان تحمل بذور "حرب أهلية طويلة الأمد"، ما يرفع منسوب القلق من تمدد الحركات الإرهابية إلى السودان وعبور تداعيات ذلك التطور الحدود إلى دول الجوار، وهو ما يؤكده الدكتور تاج السر قائلاً: "لا شك أن التهديدات الإرهابية ستطال جميع دول الجوار الجغرافي للسودان، وأهمها مصر، وإثيوبيا، وتشاد، وليبيا، وإريتريا"، مضيفاً أن هذا التهديد "قد يطال دول القرن الإفريقي الأخرى".

وحول التداعيات المحتملة لهذه التطورات، يوضح الدكتور محمد عمر أن "الإرهاب يخلق عدم الثقة بين دول الجوار، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى توتر العلاقات الإقليمية، والتأثير سلباً في المشاريع الاقتصادية المشتركة، وستتوقف حركة التجارة البينية بين دول الجوار"، مضيفاً أن "النشاط الإرهابي سيقف حركة التواصل الثقافي والمجتمعي بين دول الجوار، وبالتالي ستُعطَّل حركة النمو الاقتصادي والحضاري والثقافي بين تلكم الدول".

وتذهب نرمين توفيق إلى أن "الخطورة على الإقليم لن تكون قاصرة على التهديدات الإرهابية التي قد تنشأ جرّاء الأزمة، وإنما من الصراع الحادث حالياً في السودان، مما يعني أنه لا بد من وجود حل سريع لهذه الأزمة".

وفي توضيحها للمعالم الأساسية لصياغة هذا الحل تؤكد الباحثة في الشؤون الإفريقية أنه "لا بديل عن الحفاظ على وحدة الجيش الوطني للسودان، فالجيوش الوطنية حينما تنهار يتبعها سقوط الدول، مع الأسف. لذا لا بد أن يعي جميع السودانيين هذا الأمر، وأن يغلِّب الجميع مصلحة وطنهم على المصالح الشخصية، وأن يكون للجامعة العربية والاتحاد الإفريقي دور فاعل في حلحلة الأزمة بشكل سريع يحافظ على أمن واستقرار ووحدة السودان".

ويوافقها في ذلك محمد عمر، مؤكداً أنه "لا بد من الإسراع في حسم الأمر، وذلك بإجبار الفئتين المتقاتلتين (القوات المسلحة والدعم السريع) على وقف إطلاق النار فوراً، والدخول في مفاوضات جادة ومسؤولة لوقف الحرب، والوصول إلى السلام، عبر منابر الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، أو اللجوء إلى الفصل السابع فوراً لإنقاذ البلاد والعباد".

TRT عربي
الأكثر تداولاً