تابعنا
أدى انهيار سد أولد كيجابي، غرب كينيا، قبل بضعة أيام، إلى مقتل العشرات من المواطنين، بالإضافة إلى خسائر واسعة تسببت فيها الفيضانات الناتجة عن ذلك، فيما تطرح هذه الكارثة أسئلة حول أسباب انهيار السدود، وآثارها الكارثية على الإنسان والبيئة.

لقي عشرات الأشخاص مصرعهم يوم الاثنين 29 أبريل/نيسان الماضي جرّاء انهيار سد أولد كيجابي، غرب كينيا، وقال المتحدث باسم الحكومة إسحاق مايغوا موورا، في تصريحات صحفية، إن السيول الناجمة عن انهيار السدّ ألحقت أضراراً بالمنازل والطرق، وأدت إلى مصرع 42 شخصاً، مشيراً إلى أن جهود البحث والإنقاذ ما زالت مستمرة.

وتضرر أكثر من 200 ألف شخص في أنحاء كينيا من الفيضانات المستمرة منذ أسابيع، حيث غمرت المياه المنازل في المناطق المعرضة للفيضانات ولجأ الناس إلى المدارس، وأفادت وسائل إعلام محلية بأن هذه الأمطار الغزيرة والفيضانات المستمرة منذ أسابيع في جنوب البلاد هي التي أدت إلى انهيار السد.

وتعيد كارثة سد كينيا إلى الأذهان مثيلاتها على مرّ تاريخ البشرية، التي أزهقت مئات الآلاف من الأرواح، متسببةً في آثار بيئية لا يزال عدد منها قائماً إلى الآن، وهو ما يطرح أسئلة حول أسباب انهيار السدود، وعن تلك الآثار الكارثية التي تُخلّفها.

أبرز انهيارات السدود في التاريخ

شهد التاريخ المعاصر انهيارات كارثية لعديد من السدود، أسفرت عن ضحايا وخسائر كبيرة، قد تبدو مقارنةً بها خسائر انهيار سد أولد كيجابي محدودة جداً.

في أغسطس/آب عام 1975، شهدت الصين إحدى كوارث انهيار السدود والتي تعتبر الأكثر دموية حتى اليوم، حيث ضرب إعصار مقاطعة خنان، شمال شرقي البلاد، مسبباً أمطاراً وعواصف أدت إلى انهيار سد بانكياو، بالإضافة إلى 61 سداً آخر على طول مجرى نهر هواي.

وتسببت كارثة انهيار سد بانكياو في مصرع نحو 26 ألف شخص غرقاً، إضافة إلى 145 ألفاً آخرين قضوا بسبب الأوبئة والمجاعة الناتجة عن الكارثة، كما أدى تدفق السيول إلى تدمير ما بين 5 و7 ملايين منزل، ونزوح 10 ملايين شخص، من المدن الـ30 التي أصابتها.

في المقابل، يعدّ انهيار سدَّي درنة الليبية في 11 سبتمبر/أيلول 2023، ثانية أكثر هذه الكوارث دموية في التاريخ، وتسبب فيها إعصار دانيال، وأدت زيادة التساقطات إلى انهيار سد درنة الواقع عند التقاء واديين، ومنه اندفعت المياه المنبعثة مسافة 12 كيلومتراً باتجاه البحر، وغمرت سدّ المنصور الذي كان يعاني أيضاً ضغوطاً بسبب ارتفاع منسوب المياه في خزّانه.

وقد لقي ما لا يقل عن 5 آلاف شخص مصرعهم في درنة وفُقد نحو 10 آلاف آخرين، جراء الفيضانات التي تسبب فيها انهيار السدين، لكنَّ عمدة درنة حينها عبد المنعم الغيثي، تحدث عن أرقام أعلى من ذلك، وصرّح بأن ما يعادل خُمس سكان المدينة تُوفوا، أي ما بين 18 و20 ألف ضحية.

وعلاوة على هاتين الكارثتين، أدى انهيار سد سان فرانسيس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية عام 1928، إلى إطلاق سيول اجتاحت مجرى وادي سانتا كلارا، فدمرت القرى المجاورة لأطراف الوادي وقتلت أكثر من 400 شخص، في كارثة انهيار سدّ هي الأعنف في تاريخ الولايات المتحدة.

وفي عام 1959، انهار سد مالباسيه الواقع في جنوب فرنسا، نتيجة توليفة من العيوب في التصميم والأمطار الغزيرة، مما أدى إلى مصرع أكثر من 400 شخص، وتدمير القرى المحاذية لمجرى الوادي، ودفعت هذه الكارثة إلى إعادة تقييم معايير سلامة السدود وبنائها في فرنسا وحول العالم.

انهيار السدود.. أسباب وآثار

ومنذ أن بدأ الإنسان في تشييدها، تعدّ السدود إحدى أكثر المنشآت منفعة، سواء في تخزين المياه وتقنين الري، أو في توليد الطاقة النظيفة في عالم يعاني مخاطر التغيّرات المناخية التي تتسبب فيها انبعاثات مصادر الطاقة الأحفورية، ومع كل هذه المنافع فإن السدود تنطوي على خطر التسبب في كوارث دموية ومدمرة.

ويعود أغلب حالات انهيار السدود في العالم إلى الأخطاء الهندسية التي تشوب عملية بنائها؛ ففي حالة سد بانكياو الصيني أدت الدراسات الخاطئة إلى التقليل من سعة تحمله وتصريفه مياه التساقطات المتطرفة، بالإضافة إلى ضعف عمليات صيانته وإهمال الشقوق التي طرأت عليه خلال السنوات الـ23 لدخوله الخدمة، منذ تشييده عام 1952.

وتكاثفت هذه الظروف لجعل السدّ الصيني آيلاً للانهيار أمام ظروف الجو المتطرفة، وكان الإعصار الذي ضرب المنطقة عام 1975، متسبباً في تهاطل ما قدِّر بـ1631 ميليمتراً من التساقطات يومياً، الحدث الذي أدى إلى الكارثة الكبرى.

وبعد 48 عاماً، تسبّبت الأسباب نفسها تقريباً في كارثة مدينة درنة الليبية، إذ كان السدّان المنهاران يعانيان التقادم وضعف عمليات الصيانة، خصوصاً بعد الأوضاع الأمنية التي شهدتها البلاد خلال العقد الأخير، ما جعلهما ضعيفين أمام حدث مناخي بالتطرف الذي بلغه إعصار دانيال في الخريف الماضي.

وهي الأسباب التي خلصت إليها أيضاً المصادر الحكومية الليبية، وقالت إدارة السدود في وزارة الموارد المائية إن تدفق كمية المياه المخزَّنة في سدّي وادي درنة، التي تقدَّر بنحو 23.5 مليون متر مكعب، أدت إلى إضعاف سعة السدود ثم انهيارها.

لكن في حالات أخرى، تُدمَّر السدود بفعل فاعل أو كأحد أعمال الحرب، مثل ما حصل في كارثة انهيار سد كاخوفكا الأوكراني في 6 يونيو/حزيران 2023، حيث أدى إلى سيول كبيرة أغرقت منطقة خيرسون جنوب أوكرانيا، التي كانت تشهد معارك بين القوات الروسية والأوكرانية، ما تسبب في مشكلات بيئية عويصة أبرزها جرف المواد السامة والمتفجرات إلى مياه البحر الأسود.

TRT عربي
الأكثر تداولاً